واقع الكتاب المدرسي في الوطن العربي
السبت، ٦ يونيو ٢٠٠٩
واقع الكتاب المدرسي في الوطن العربي
ملايين الكتب المدرسية يتمّ إتلافها سنوياً
قليلة جداً هي الأبحاث العربية التي تتناول تطوّر وتاريخ الكتاب المدرسي في مدارسنا. ففي فترة قديمة من تاريخ الأمة العربية التي عرفت المدارس والحلقات والكتاتيب والزوايا، كانت الكتب المقرّرة تقتصر على الكتب الدينية وبعض كتب العلوم. وكانت هذه الكتب محدودة العدد نظراً لعدم توفّر المطابع الحديثة القادرة على إنتاج الآلاف والملايين من النسخ كما هو الحال اليوم. وعلى الرغم من هذا، تطوّرت المدارس والكتاتيب وكان الطلاب يقومون بنسخ الكتب يدوياً. وفي ذلك العصر، كان التركيز على الحفظ يُعتبر إحدى أهمّ الآليات لمواجهة النقص في الكتب التعليمية، ولهذا فإن تاريخ الأمة حافل بالقصص والنوادر والروايات التي رافقت تطوّر التعليم العربي والإسلامي في العصور القديمة.
في تاريخ أمتنا المعاصر، يُعدّ الكتاب المدرسي من أهم الإضافات التي استجدّت مع ظهور الدولة العربية الحديثة. ومنذ بداية عهدها بالحداثة، وضعت الدول العربية على رأس أولوياتها إنشاء المدارس ونشر التعليم للجميع. وبالتالي، برزت أهمية توفير الكتاب المدرسي لنشر المعارف والعلوم بين الطلاب، الأمر الذي يؤدي إلى بناء مجتمع متنوّر صالح. وقد بُذلت جهود واضحة من قِبل الحكومات العربية التي أخذت على عاتقها مسؤولية توفير التعليم للجميع، ولم تكن هذه السياسات والخطط الوطنية بعيدة عن التحديات والمصاعب على مستويات عدة في مقدمتها توفير الأموال اللازمة لإيجاد الكتب المناسبة وتوفيرها لجميع المراحل الدراسية، وتوصيلها إلى كافة المدارس حتى في المناطق النائية. ونظراً لعدم توفّر الخبرة لدى معظم الدول خلال تلك الفترة القديمة، فإنها كانت تعتمد في أحيان كثيرة على الخبرة والدعم الأجنبيين. لكن هذا لم يثنِ الدول العربية عن المضي قدماً في البحث عن الموارد والخبرات اللازمة لتوفير الكتاب المدرسي للطلاب. وحتى تتغلب الدول العربية على هذه الإشكالية، عمدت إلى الاستعانة بالخبرات الأجنبية بعد تخلّصها من الاستعمار، كما عملت على تبادل الخبرات فيما بينها. ومن يراجع دوائر المناهج في الوزارات والإدارات التعليمية العربية، يطّلع على العديد من القرارات والمشاريع التعاونية التي تمّت بين الدول العربية في هذا المجال الحيوي والاستراتيجي والوطني البالغ الأهمية. لم تكن الأمور بالسهولة التي يتصوّرها البعض، ولذلك فإنه من الضرورة بمكان أن يُدرس تاريخ تطوّر الكتاب المدرسي في الوطن العربي بغرض توثيق مرحلة هامة في تاريخ أمتنا العربية المعاصر، فتعرف أجيالنا القادمة بأن ما تشهده من إنجازات في مجال الكتاب المدرسي جاء نتيجة جهود ضخمة قامت بها الحكومات العربية من أجل توفير التعليم للمواطنين. وقد تفاوت وضع الكتاب المدرسي وتطوّره من قطر عربي إلى آخر ومن مرحلة دراسية إلى أخرى.
بعد هذا التاريخ الطويل من التطوّر والجهود الكبيرة في مجال تطوير الكتاب المدرسي وتوفيره، هناك الكثير من التحديات التي لا تزال تواجه هذا المجال في الوطن العربي، في مقدمتها توفير الموارد المالية الكافية للدول العربية لتمكينها من تطوير الكتاب المدرسي من حيث المحتوى والإخراج والتصميم، وتوفير الأعداد الكافية للطلاب في كل عام أو فصل دراسي. لكننا نشعر بالأسف عندما نرى أنه في نهاية كل عام دراسي، تواجه معظم الكتب المدرسية نهاية سيئة للغاية تصل إلى درجة إحراقها أو رميها مع النفايات والمخلّفات، وأحياناً في الشوارع وعلى أبواب المدراس، الأمر الذي يشكّل هدراً كبيراً في الموارد الوطنية نظراً للتكلفة العالية لطباعة الكتاب المدرسي. وتشكّل هذه النهاية المؤلمة للكتاب المدرسي أمراً بالغ الخطورة، فهي تربّي أبناءنا وبناتنا على عدم احترام العلم والمعرفة، وعلى عدم تقدير الجهود التي بُذلت لتوفير الكتاب على المستوى الرسمي والأهلي وعلى مستوى الأسرة. ومن هنا جاءت ضرورة العمل على الارتقاء بالوعي على مستوى المدارس والطلاب والأسرة. وفي هذا الإطار، لا بدّ أن تنشأ في كل مدرسة مكتبة للكتب المدرسية تكون مسؤولة عن استلام الكتب من الطلاب الذين يرغبون في إعادتها للمدرسة بعد استخدامها. ويمكن الاستفادة من هذه الكتب سواء ببيعها أو التبرّع بها للبلدان التي تحتاج إليها، أو البحث عن طرق ملائمة للاستفادة منها.
وفضلاً عن الناحية المادية، يبرز أمام الكتاب المدرسي والمشتغلين فيه تحدٍّ أكبر يتمثّل في التطوّر المعرفي الذي يطرأ على الكثير من ميادين العلوم ولا سيما في التخصصات التقنية والعلمية، الأمر الذي يضع على عاتق الجهات العاملة في إنتاج الكتاب المدرسي مسؤولية كبرى تتجسّد في الحرص على مراجعة الكتب وتطويرها من قِبل المتخصصين. وهذا يفرض على الجهات المسؤولة القيام بتقييم الكتب المدرسية ومراجعتها بشكل دائم لضمان احتوائها على أحدث المعلومات والمعارف وتماشيها مع المتغيرات الكثيرة التي تطرأ على الواقع العربي والدولي. ففي الميدان العلمي والتقني، تحدث الابتكارات والاختراعات بشكل متسارع قد يفوق قدرات وإمكانات المؤسسات الحكومية والمالية والعلمية والفنية والتقنية على استيعابها. لكن القطاع الأهلي الخاص قادرعلى القيام ببدور فعّال إذا أُتيحت له الفرصة ووضعت له التنظيمات التي تضمن الجودة والالتزام بالسياسات والتشريعات التي تضعها الدول. وسوف يوفّر القطاع الخاص على الحكومات العربية مسألة البحث عن أحدث ما يتمّ التوصّل إليه من معارف وعلوم وما يستجدّ من متغيرات في مجال التقنية، ويؤمّن الكوادر البشرية القادرة على متابعة هذه المتسجدات، كما سيوفّر الموارد المالية التي قد تعجز المؤسسات الرسمية عن الحصول عليها، وذلك بهدف إنتاج الكتب المدرسية المواكبة لآخر التطورات العلمية، وبما يلائم احتياجات التنمية، وحتى نتمكّن من وضع طلابنا في الصدارة مع طلاب الدول المقتدمة صناعياً، والسماح لهم بالمنافسة في المجالات العلمية والمعرفية، وبما يسمح بتخريج أجيال من المبدعين والمتخصصين القادرين على نقل العلم والمعرفة والتقنية الحديثة إلى الوطن العربي والاعتماد على الذات في مختلف المجالات التنموية.
ملايين الكتب المدرسية يتمّ إتلافها سنوياً
قليلة جداً هي الأبحاث العربية التي تتناول تطوّر وتاريخ الكتاب المدرسي في مدارسنا. ففي فترة قديمة من تاريخ الأمة العربية التي عرفت المدارس والحلقات والكتاتيب والزوايا، كانت الكتب المقرّرة تقتصر على الكتب الدينية وبعض كتب العلوم. وكانت هذه الكتب محدودة العدد نظراً لعدم توفّر المطابع الحديثة القادرة على إنتاج الآلاف والملايين من النسخ كما هو الحال اليوم. وعلى الرغم من هذا، تطوّرت المدارس والكتاتيب وكان الطلاب يقومون بنسخ الكتب يدوياً. وفي ذلك العصر، كان التركيز على الحفظ يُعتبر إحدى أهمّ الآليات لمواجهة النقص في الكتب التعليمية، ولهذا فإن تاريخ الأمة حافل بالقصص والنوادر والروايات التي رافقت تطوّر التعليم العربي والإسلامي في العصور القديمة.
في تاريخ أمتنا المعاصر، يُعدّ الكتاب المدرسي من أهم الإضافات التي استجدّت مع ظهور الدولة العربية الحديثة. ومنذ بداية عهدها بالحداثة، وضعت الدول العربية على رأس أولوياتها إنشاء المدارس ونشر التعليم للجميع. وبالتالي، برزت أهمية توفير الكتاب المدرسي لنشر المعارف والعلوم بين الطلاب، الأمر الذي يؤدي إلى بناء مجتمع متنوّر صالح. وقد بُذلت جهود واضحة من قِبل الحكومات العربية التي أخذت على عاتقها مسؤولية توفير التعليم للجميع، ولم تكن هذه السياسات والخطط الوطنية بعيدة عن التحديات والمصاعب على مستويات عدة في مقدمتها توفير الأموال اللازمة لإيجاد الكتب المناسبة وتوفيرها لجميع المراحل الدراسية، وتوصيلها إلى كافة المدارس حتى في المناطق النائية. ونظراً لعدم توفّر الخبرة لدى معظم الدول خلال تلك الفترة القديمة، فإنها كانت تعتمد في أحيان كثيرة على الخبرة والدعم الأجنبيين. لكن هذا لم يثنِ الدول العربية عن المضي قدماً في البحث عن الموارد والخبرات اللازمة لتوفير الكتاب المدرسي للطلاب. وحتى تتغلب الدول العربية على هذه الإشكالية، عمدت إلى الاستعانة بالخبرات الأجنبية بعد تخلّصها من الاستعمار، كما عملت على تبادل الخبرات فيما بينها. ومن يراجع دوائر المناهج في الوزارات والإدارات التعليمية العربية، يطّلع على العديد من القرارات والمشاريع التعاونية التي تمّت بين الدول العربية في هذا المجال الحيوي والاستراتيجي والوطني البالغ الأهمية. لم تكن الأمور بالسهولة التي يتصوّرها البعض، ولذلك فإنه من الضرورة بمكان أن يُدرس تاريخ تطوّر الكتاب المدرسي في الوطن العربي بغرض توثيق مرحلة هامة في تاريخ أمتنا العربية المعاصر، فتعرف أجيالنا القادمة بأن ما تشهده من إنجازات في مجال الكتاب المدرسي جاء نتيجة جهود ضخمة قامت بها الحكومات العربية من أجل توفير التعليم للمواطنين. وقد تفاوت وضع الكتاب المدرسي وتطوّره من قطر عربي إلى آخر ومن مرحلة دراسية إلى أخرى.
بعد هذا التاريخ الطويل من التطوّر والجهود الكبيرة في مجال تطوير الكتاب المدرسي وتوفيره، هناك الكثير من التحديات التي لا تزال تواجه هذا المجال في الوطن العربي، في مقدمتها توفير الموارد المالية الكافية للدول العربية لتمكينها من تطوير الكتاب المدرسي من حيث المحتوى والإخراج والتصميم، وتوفير الأعداد الكافية للطلاب في كل عام أو فصل دراسي. لكننا نشعر بالأسف عندما نرى أنه في نهاية كل عام دراسي، تواجه معظم الكتب المدرسية نهاية سيئة للغاية تصل إلى درجة إحراقها أو رميها مع النفايات والمخلّفات، وأحياناً في الشوارع وعلى أبواب المدراس، الأمر الذي يشكّل هدراً كبيراً في الموارد الوطنية نظراً للتكلفة العالية لطباعة الكتاب المدرسي. وتشكّل هذه النهاية المؤلمة للكتاب المدرسي أمراً بالغ الخطورة، فهي تربّي أبناءنا وبناتنا على عدم احترام العلم والمعرفة، وعلى عدم تقدير الجهود التي بُذلت لتوفير الكتاب على المستوى الرسمي والأهلي وعلى مستوى الأسرة. ومن هنا جاءت ضرورة العمل على الارتقاء بالوعي على مستوى المدارس والطلاب والأسرة. وفي هذا الإطار، لا بدّ أن تنشأ في كل مدرسة مكتبة للكتب المدرسية تكون مسؤولة عن استلام الكتب من الطلاب الذين يرغبون في إعادتها للمدرسة بعد استخدامها. ويمكن الاستفادة من هذه الكتب سواء ببيعها أو التبرّع بها للبلدان التي تحتاج إليها، أو البحث عن طرق ملائمة للاستفادة منها.
وفضلاً عن الناحية المادية، يبرز أمام الكتاب المدرسي والمشتغلين فيه تحدٍّ أكبر يتمثّل في التطوّر المعرفي الذي يطرأ على الكثير من ميادين العلوم ولا سيما في التخصصات التقنية والعلمية، الأمر الذي يضع على عاتق الجهات العاملة في إنتاج الكتاب المدرسي مسؤولية كبرى تتجسّد في الحرص على مراجعة الكتب وتطويرها من قِبل المتخصصين. وهذا يفرض على الجهات المسؤولة القيام بتقييم الكتب المدرسية ومراجعتها بشكل دائم لضمان احتوائها على أحدث المعلومات والمعارف وتماشيها مع المتغيرات الكثيرة التي تطرأ على الواقع العربي والدولي. ففي الميدان العلمي والتقني، تحدث الابتكارات والاختراعات بشكل متسارع قد يفوق قدرات وإمكانات المؤسسات الحكومية والمالية والعلمية والفنية والتقنية على استيعابها. لكن القطاع الأهلي الخاص قادرعلى القيام ببدور فعّال إذا أُتيحت له الفرصة ووضعت له التنظيمات التي تضمن الجودة والالتزام بالسياسات والتشريعات التي تضعها الدول. وسوف يوفّر القطاع الخاص على الحكومات العربية مسألة البحث عن أحدث ما يتمّ التوصّل إليه من معارف وعلوم وما يستجدّ من متغيرات في مجال التقنية، ويؤمّن الكوادر البشرية القادرة على متابعة هذه المتسجدات، كما سيوفّر الموارد المالية التي قد تعجز المؤسسات الرسمية عن الحصول عليها، وذلك بهدف إنتاج الكتب المدرسية المواكبة لآخر التطورات العلمية، وبما يلائم احتياجات التنمية، وحتى نتمكّن من وضع طلابنا في الصدارة مع طلاب الدول المقتدمة صناعياً، والسماح لهم بالمنافسة في المجالات العلمية والمعرفية، وبما يسمح بتخريج أجيال من المبدعين والمتخصصين القادرين على نقل العلم والمعرفة والتقنية الحديثة إلى الوطن العربي والاعتماد على الذات في مختلف المجالات التنموية.
0 komentar:
إرسال تعليق